رحله جبل البركل (سياحه في بلادي – أغسطس ٢٠١٥)

بارزرحله جبل البركل (سياحه في بلادي – أغسطس ٢٠١٥)
بدأت رحلتنا الصغيرة بإستعداداتها، الكبيرة بأهدافها من الخرطوم بالإعداد لخط السير و للمدن التي سوف نزورها و المعالم التي ننوي رؤيتها و التعرف عليها.
بما إني و صديق لي قد زرنا أهرامات البجراوية في مروي القديمة و منطقه النقعه و المصورات في رحله سابقه، فقد قررنا إستبعاد هذي المنطقتين من خط رحلتنا للتعرف تحديداً على جبل البركل، الجبل المقدس للحضاره الكوشيه بكل فتراتها و الفرعونية المصريه أيضاً.
أريد أن أذكر أن من أهم الأشياء للإعداد لمثل هذه الرحله التي ربما تكون طويله نوعاً ما “حسب نشاطك في السفر”، هو إكسير الحياه “الماء”. يجب حمل حافظه محمله بالمياه المعدنيه و العصائر و إغراقها بقطع الثلج. أما عن دابه الرحله، فلا سبيل غير إستئجار إحدي عربات الدفع الرباعي و معها سائقها و هي متوفره في الخرطوم.و لو كان معدي الرحله من الشباب و ليس الأسر، كما كان حالي، فقيمه إستئجار العربه سوف تقسم على الجميع. و في حاله عربه الدفع الرباعي (الرحله لن تحتاج لدفع رباعي)، فهي مهيئة لحمل ٦ إلي ٧ أشخاص غير السائق. مما يقلل من كلفه الرحله. إتفقت مع ثلاثه من رفاقي و أخي الصغير على الإعداد لهذه الرحله للتعرف على ربوع وطننا و حضارتنا المنسيه، الحضاره الكوشيه العظيمه. بعد الإعداد لخط سير الرحله، إتفقنا على زياره مدينه الحديد و النار، عطبره أو أتبره كما يحب أهلها تسميتها. و زياره الدامر و مدينه بربر العريقه. و من ثم زياره مدينه مروي (يجب التفريق بين مدينه مروي الحاليه و مروي القديمة أو منطقه البجراوية)، و من ثم الوصول إلى مبتغانا، جبل البركل. قررنا أن تكون رحله العودة للخرطوم بطريق شريان الشمال، الجديد نوعاً، حتى نمر بمدن و قرى الشايقيه التي نسمع عنها الكثير من أمثال القرير، أوسلي و كورتي.
بدأت رحلتنا لجبل البركل متأخره و تقريباً في الساعه السابعه مساءاً من الخرطوم. توقفنا في بحري لشراء سندوتشات العشاء و بعد العشاء إتجهنا إلى شندي. لربما تتساءل لماذا شندي في حين إنني ذكرت أن خط الرحله لن يشمل منطقه البجراوية. السبب في التوقف في إحدي محطات السفر على شارع الخرطوم/عطبره هو شرب “شاي اللبن المقنن” في “كبايه” أقرب منها “للجك”. إشتهرت محطات و مواقف شندي بلذه “شايها المقنن”، و فعلاً كانت تجربه رائعه، فقد شربت “كبايتين” من هذا الشاي الفريد مع “الليقيمات” لمجرد إعاده التجربة لمرتين.
 عموماً بعد أداء صلاه العشاء، واصلنا الرحله للمحطة التاليه و هي عطبره مدينه الحديد و النار و التي تذخر بتاريخ المقاومة و العطاء، تاريخ السكه الحديدية بهيبتها و رونقها. كان سائقنا على معرفه بفندق ” فندق عادل” على جوده عاليه نسبياً و قد تم حجز غرف لنا و تشاركنا الغرف لتقليل التكلفة. و قضينا ليلتنا الأولى في عطبره.
كانت معاناتنا الوحيدة في عطبره هي شُح مياها و عكرتها، عدا ذلك فبعد إجهازنا على سمك عطبره اللذيذ في وجبه الإفطار و شرب الشاي بالقرب من النيل حيث النسيم العليل، قمنا بزيارة محطه السكه حديد التي تشتهر بها المدينة و توقفنا من البعد لإلقاء النظرات على مصنع أسمنت عطبره. ثم زرنا مدينه الدامر التي يفصلها كوبري من مدينه عطبره. إلتقينا في الطريق بقبائل رحاله تركب الإبل و لم يمانعو أخذي الصور معهم.  و قمنا بشرب شاي الظهيره في مدينه بربر حيث الملوك البرابره و زرنا محطه السكه الحديديه في المدينة التي لازالت تمتزج بنكهه التاريخ والإمبريالية الملكيه الإنجليزية. أنهينا ليلتنا الأولى في التعرف على هذه المدن الثلاث.
وفي تمام الساعه السابعه و بعد شرب شاي الصباح، تحركنا في إتجاه مدينه مروي (الجديده). و في الطريق و من المدهش رؤيتنا للكثير من “اللواري” المحملة بالرمل الذي يستخدم في البناء والكثير من العمال يحفرون لأخذ الرمال من أراض بجوار الشارع. هل يدفعون لأحد قيمه هذه الرمال أم إنها مما رزقهم الله!!. و لكم أنت خيِّر يا وطني و حتى رملك ذهب.
 و في الطريق قابلنا أحد الرحاله أو المغامرين الأوربيين و هو على دراجه ناريه. توقفنا معه قليلاً.  رحلته بدأت من أوكرانيا، الجمهورية الروسية السابقة”، و مروراً بدول غرب أفريقيا حتي جنوب أفريقياً و شمالا حتى إثيوبيا و السودان و العودة لليونان حسب خطته. سألته أين ينام و متى ينام، قال لي إنو يحتفى الليل لباساً و ينام في العراء حيثما تعب. و رحلته هي مغامره بالنسبة له للبحث عن شخصه. و له كل الإحترام للمثابرة في مثل هذه الرحله الصعبه و الخطره.
على العموم، وصلنا لمدينه مروي و أفطرنا في سوق مروي القديم و إشترينا المياه المعدنيه و الثلج و واصلنا رحلتنا.
بدأنا بعبور “الكوبري” بين مروي و منطقه جبل البركل. و رأينا من على البعد ظهور الجبل و بدأت الرهبه و القشعريرة تأخذنا لرؤيته لأول وهله.  و رأينا بعد عبور “الكوبري” وجود لوحات لتنظيم إحتفال و مهرجان جبل البركل. لم أكن أعلم إنه كان هنالك مهرجان بهذا الإسم. و إنما يدل على تنامي الوعي الشعبي و شكراً لمجموعه القروب العام لحمايه الآثار و التراث لسعيها الدؤوب. وتحركنا بإتجاه جبل البركل الذي هو على بعد القليل من الكيلومترات من الكوبري.
463
وقد بدأنا نقترب و بدأت تلوح رأس أفعى الكوبرا التي تحمي الجبل والأهرامات التي بجواره من الأرواح الشريره حسب الإعتقاد القديم، زادت الرهبه و الإثارة. هذا هو الجبل الذي قدسته حضارتنا العظيمه و تبعتهم الحضاره الفرعونية المصريه في تقديسه. و في ذكر في روايات، أن رمسيس الثاني قد زاره و قدسه.
أول من وجدنا حول الجبل، كانت بعثه أجنبيه. إتضح إنها زوجه السفير البريطاني للسودان بوجود طفلها الصغير و إثنين من حراسها و سائقهم. لحسن حظنا، مع إن معبد أموون كان مغلق للصيانه، لكن بوجود هذه البعثة الدبلوماسية، فتح لهم المعبد و إستطعنا من الدخول معهم و إلتقاط الصور.
 نقوشات و رسومات لها مئات السنين، إن لم يكن آلاف السنين. روعه في التصميم، تحكى عن إله كوش، آموون أو مووت كما هو مذكور على اللوحه التعريفيه بالمعبد. و ينسب هذا المعبد إلى الفتره النبتيه و إلى ملك كوش العظيم ترهاقا أو تهارقا.
إلتقطنا الكثير من الصور حول إهرامات تخلد عظمه حضاره طمست بعمد أو بغير عمد.
من خلال حديثنا مع أحد الدبلوماسيين البريطانيين، ذكر لنا أنا هنالك موقع أثري لا يبعد الكثير لغابه متحجرة، فقررنا زيارته. تحركنا بإتجاه الشمال للبحث عن هذه الغابه المتحجره و عندها علمت من اللوحه المروريه أن مدينه كريمه لا تبعد سوي القليل من الكيلومترات من موقع جبل البركل و هي أقرب له من أي مدينه أو موقع آخر. على العموم، بعد توقفنا للسؤال عن هذه الغابه عده مرات، وصلنا إليها. كانت قمه في الإبداع، و عباره عن جذوع أشجار متحجرة. و سمعنا أن الأسطورة تقول بأن الغابه قد سحرت من سحره نوا. و هي مدينه معروفه بالسحر و منهم السحره اللذين إستقدمهم فرعون موسى. و بعد البحث العلمي علمت إنها ظاهره علميه موجوده في أماكن متفرقة حول العالم.
و الغريبه إنه ليس ببعيد من موقع الغابه المتحجره، وجدنا الهيئه القوميه للآثار و بشراكه قطريه تقوم بترميم كم هائل من الأهرامات. و علمنا إننا في منطقه الكرو التاريخيه، التي تعتبر المدافن الملكيه لملوك كوش. و كان هذا بمحض الصدفه، حيث لمن أكن أعلم بهذا الموقع من قبل. عمليات بحث جاريه على قدم و ساق، أهرامات بأسفلها غرف و مدافن للملوك. روعه في الإبداع.
وبدأنا رحله العوده، بعد أن إرتشفنا عبق التاريخ الغني و بعد أن أشبعنا أعيننا و عقولنا بعظمه حضارتنا المنسيه مع زخم الحياه و تجاهلنا لإرث جلل. إرث طمس و لازال يطمس، إرث جزء لا يتجزأ من نسيج السودان بقبائله و تنوعه العرقي.
كوش هي حضاره سودانيه خالصه تؤرخ لعظمه و هويه إنسان السودان.
عمر الحاج
٣ إبريل ٢٠١٦

 

الوصية: رائعة خاليوت إبن الملك السوداني بعانخي

يقدم كورال كلية الموسيقى والدراما عمل فني في قمة الروعة عن وصايا خاليوت إبن بعانخي من القرن الثامن قبل الميلاد ومن فترة الحكم السوداني على مصر القديمة.

الملك خاليوت هو أخ الملك تهارقا وعرف عنه الورع والتقوى والتدين. وتقديراً له، خلد وصاياه الملك أسبلتا، حفيد تهارقا، في إحدى نقوشه الشهيرة.

وصايا خاليوت:

======================

إنني لا أكذب

ولا أعتدي على ملكية غيري

ولا أرتكب الخطيئة

وقلبي ينفطر لمعاناة الفقراء

إنني لا أقتل شخصاً دون جرم يستحق القتل

ولا أقبل رشوة لأداء عمل غير شرعي

ولا أدفع بخادم أستجارني إلى صاحبه

ولا أعاشر إمرأة متزوجة

ولا أنطق بحكم دون سند

ولا أنصب الشراك للطيور المقدسة

أو اقتل حيواناً “مقدسا”

إنني لا أعتدي على ممتلكات (الدولة)

بل أقدم العطايا للمعبد

إنني أقدم الخبز للجياع

والماء للعطشى

والملبس للعري

أفعل هذا في الحياة الدنيا

وأسير في طريق الخالق

مبتعداً عن كل ما يغضب المعبود

لكي أرسم الطريق للأحفاد الذين يأتون بعدي

في هذه الدنيا وإلى الذين يخلفونهم وإلى الأبد

====================

في هذا اليوم يواصل شباب السودان، أحفاد خاليوت، الصراع المصيري من أجل بناء سودان جديد، سودان يرجع قوة عظمى مثلما كان 🇸🇩

#مليونية6يناير

#قاوم 🇸🇩✌🏾

أمطرت في تاسيتي وجاء الفيضان كلص الماشية

يقول الملك السوداني تهارقا:

“حسناً، وأمطرت السماء في تاسيتي وزينت كل التلال. كل رجل من تاسيتي أصبح مغمور بكل شيئ. (دلالة على الرفاهية)

في العام السادس من حكمي:

حدث ما لم يسبق له مثيل من قبل….جاء الفيضان كلص ماشية و غمر الأرض كلها. لم يكن له مثيل في أي من تدوينات الأسلاف. ولا حتى قيل، سمعت بمثله من والدي.
ها هو (الفيضان) جعل كل الريف أرضاً خيره. قتل الحشرات والأفاعي التي كانت فيها (الريف). وأبعد آفه الجراد عن الأرياف ومنع رياح الجنوب (الحارقة) من سرقة (الحصاد).

لذلك استطعت أن أحصد المحصول في مخازن حبوب حجمها لا يعد ولا يُحصى.”

المصدر:

كتاب FHN الجزء الثاني، ص ١٥١-١٥٢.

(نقش تهارقا لإرتفاع منسوب النيل في العام السادس من كوه، ص. ١٥١-١٥٢)

(٤) مفاهيم الثقافة الثورية الجديدة…خطاب الكراهية وڤايروس كورونا

في ظل تعالي أصوات خطاب الكراهية وإنتشار بث السموم في مواقع التواصل الإجتماعية من حفنة نحسبها علينا، هي مثلها مثل ڤايروس كورونا الذي أصاب العالم بالذعر والهلع. هذا الداء الذي إنتشر كإنتشار النار على الهشيم مصيرة الإنحسار والزوال فور إيجاد اللقاح المناسب له وعندها يصبح مجرد حدث يسجله التاريخ لأخذ العبرة والموعظة.

عندما يتسائل البعض عن الهوية يجب علينا النظر بعمق في ثقافتنا الموحدة والتي تبلورت من خلال عملية إنصهار حضاري إستمرت لآلاف السنين بين السهل والنهر والجبال والوديان. عملية شديدة التعقيد شكلت النسيج المجتمعي لسودان اليوم. لكن مع غياب الوعي التاريخي، يجهل الكثيرين عمق الروابط التاريخية المشتركة التي شكلت عماد أعظم الحضارات الإنسانية في تاسيتي وكرمة ونبتة ومروي. والتي كتب عنها العالم القديم في مدوناته أعظم البطولات وأعلى سمات التطور الحضاري والقيم الإنسانية.

للأسف، الإختلال في المناهج الدراسية وتحديداً في دراسات التاريخ السوداني واحدة من أهم العوامل التي طمست الوعي بالأصول التاريخية والحضارية للشعب السوداني. وعلى النقيض تماماً فقد أصلت للإختلافات الثقافية والإثنية واللغوية بين المكونات السودانية المتعددة وتغاضت عن التاريخ والثقافات والعادات والتقاليد والمفردات اللغوية المشتركة.

إن الفكرة الأساسية في الحراك الثوري ترتكز على نشر الوعي فهي ثورة وعي في الأول والأخير، لذلك علينا معرفة ان السودانيين بإتساع جغرافيتهم وتعدد إثنياتهم وقبائلهم ولغاتهم وتنوع سحناتهم وألوان بشرتهم، إنما هم في آخر المطاف أمة واحدة عظيمة تحمل كم ضخم من الروابط التاريخية ومن التصاهر أكثر مما يعلم الكثيرين.

مع إستخدام المستعمر التركي والإنجليزي لجميع أصناف الأسلحة العنصرية والجهوية لزرع التفرقة بين المكونات السودانية بين عرب وزرقة وأولاد بحر وغرابة وعرب ورطانة لايجب أن نستسلم لهذا التأصيل والتأطير التي وقعت في مستنقعه النخبة السودانية منذ الإستقلال. ومن منطلق حراكنا الثوري يجب أن نحطم كل القيود والمسلمات ونعود لجذور أسلافنا الحضارية التي كان تعددهم وتنوعهم مصدر قوتهم. وعلينا من تدارك دروس ماضينا العريق أبان إمبراطوريتنا الكوشية التي وصلت حدودها القدس واللحاق بركب دول العالم الأول فلا تنقصنا العقول ولا الموارد الطبيعية ولا البشرية لكن ينقصنا لقاح ڤايروس كورونا لنتخلص من نزعات العنصرية ونعرات القبلية والجهوية.

بنحلم بوطن حدادي مدادي، وطن يعيد أمجاد أسلافه ويرجع قوة عظمى. وطن لا يعرف قبلية ولا جهوية ولا عنصرية.

قلم: عمر الحاج

__________________________

رسالة الهكسوس إلى ملك طيبة (الأقصر)

في القرن الخامس عشر قبل الميلاد كان ملك مصر يحكم مدينة طيبة (الأقصر) وما حولها فقط. حيث كانت دلتا مصر تحت إحتلال الهكسوس وجنوب مصر ضمن الإمتداد التاريخي السوداني لملوك كوش في كرمة.

أراد ملك الهكسوس في شمال دلتا مصر إفتعال ذريعة لإعلان الحرب على ملك مصر في طيبة والإستئثار بأراضيه. لذلك جمع في بلاطه أهل الحكمة للمشورة. الذين بدورهم أشاروا على بإرسال رسول لملك طيبة يحمل الرسالة التالية:

“لقت تعالت أصوات أفراس النهر في بحيرة طيبة وإزعجتني وأصبحت تقض مضجعي. لذلك آمرك أن تبيدها جميعاً إن أردت أن تبقي على رضائي.”

على الرغم من أن المسافة بين مدينة الهكسوس (أواريس) شمال الدلتا وطيبة تقارب ال ٨٠٠ كيلومتر لكن ملك الهكسوس إستخدم أفراس النهر ذريعة حرب للإنقضاض على طيبة.

عمر الحاج

١٥ مارس ٢٠٢٠

المصدر:

موسوعة مصر القديمة، سليم حسن، الجزء الرابع

مقترح تحقيب تاريخ السودان

دكتور أحمد الياس حسين

================

١- فترة الثقافات المبكرة قبل نهاية الألف الرابع قبل الميلاد

٢- فترة دولتي تاستي وكوش من الألف الرابع قبل الميلاد وحتى القرن الرابع الميلادي

٣- فترة ممالك البجة وممالك نوباديا ومقرة وعلوة 400 – 1500 م

٤- فترة التاريخ الحديث تبدأ بالقرن 15 م

=============================

١- فترة الثقافات المبكرة قبل الألف الرابع قبل الميلاد

تشمل هذه الفترة الثقافات المبكرة على وادي النيل الأوسط – بين النيل الأبيض وأسوان- وروافد النيل الجارية والموسمية والأودية. والواحات والصحارى شرق وغرب النيل والتي كانت في تلك غنية بالمياه وآهلة بالحياة السكانية والنباتية والحيوانية. والنيل الأوسط أقصد به النيل بين منطقة أسوان شمالاً والنيل الأبيض جنوباً، لأن شمال وجنوب هذه المناطق لم تكن صالحة بصورة كاملة للاستقرار قبل قيام حضارة وادي النيل المبكرة.

٢- فترة دولتي تاستي وكوش من الألف الرابع قبل الميلاد وحتى القرن الرابع الميلادي

أ. حضارة ما قبل قسطل في الألف الرابع قبل الميلاد. وهي الحضارة التي اصطلح على تسميتها بحضارة “المجموعة أ” أو بحضارة “النوبة المبكرة” واستخدام إسم النوبا هنا يؤدي إلى اللبس لأن إسم النوبة ظهر لأول مرة بعد نحو ثلاثة ألف سنة من هذا التاريخ في منطقة شمال كردفان ودارفور الحاليتين، أي ظهر في منطقة بعيدة كل البعد عن منطقة حلفا. وأرى أنه يمكن إطلاق أحد أسماء المناطق الحاليه بدلاً من الحرف أ.

ب. مملكة تاستي التي يرجع قيامها إلى نهاية الألف الرابع قبل الميلاد، ووجدت آثارها في منطقة قسطل شمال وادي حلفا وفي جنبها أيضاً. مملكة كوش الأولى التي كانت عاصمتها كرمة والتي امتد حكمها بين 2500- 1600 ق.م

ث. مملكة كوش الثانية (نبتة ومروي) 800 ق.م – 400 م. (ملاحظة التواصل والارتباط السكاني والحضاري بين كوش الأولى والثانية)

٣- فترة ممالك البجة وممالك نوباديا ومقرة وعلوة 400 – 1500 م

توفرت أغلب المعلومات عن هذه الممالك بعد إعتناقها المسيحية في القرن السادس الميلادي،

أ. مملكتي البليميين (بجة) بأدوارها الثلاث:

١. جنوب أسوان داخل مملكة مروي حتى القرن 4 م، ثم مستقلة حتى القرن 6م. انتقلت شرق حلفا بعد هزيمتها من مملكة نوباديا، واعتنقت المسيحية، لم يتحدد بعد تاريخ نهايتها.

٢. شمال أسوان في إقليم طيبة من القرن 3 م، امتداد نفوذها شرقا حتى ساحل البحر الأحمر، ويبدو أنها حكمها انتهى بدخول المسلمين مصر.

ب. ممالك البجة الأخرى (معتقدات محلية) بين القرن 3-9 / 9 – 15م وهي مملكة الحداربة (نقيس) ومملكة الزنافجة ومملكة بقلين ومملكة بازين ومملكة جارين ومملكة قطعة.

ت. مملكة نوباديا المسيحية وعاصمتها فرس 6 – 7 م

ث. مملكة مُقُرة المسيحية وعاصمته دنقلة 6 – بعد القرن 13 م

ج. مملكة علوة المسيحية وعاصمتها سوبة 6 – 15 م

ح. مملكة البليميين المسيحية شرق حلفا 6 – ؟

خ. مملكة دوتاو المسيحية شمال حلفا 12 – 15م

٤- فترة التاريخ الحديث تبدأ بالقرن 15 م

أرى – وهو رأي بعض الباحثين أيضاً – أن تاريخنا الحديث بدأ بدخول الاسلام وقيام الممالك الاسلامية، فدخول الاسلام وقيام الممالك الاسلامية أدى إلى تحول كبير في أوضاع البلاد الدينية واللغوية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية لا زلنا نعيش تحت ظلها، ولا تزال توجه مسيرة حياتنا. ولذلك فإن قيام الممالك الاسلامية يمثل مرحلة تاريخيىة متميزة تبدأ بها فترة تاريخنا الحديث. وكانت أوقات ظهور تلك الممالك متفاوتة لكنها متقاربة في أغلبها. وينقسم تاريخنا الحديث إلى:

فترة الممالك الاسلامية:

مملكة الدُّجن أو تفلين الاسلامية في منطقة كسلا الحالية أول ذكر لها في القرن10 م وحتى القرن18م

مملكة الخاسة الاسلامية في سواكن ورد ذكرها فى القرن 14 م – ؟

مملكة دارفور بين القرنين 13 – 19 م

مملكة سنار بين القرنين 16 – 19 م[1]

مملكة تقلي بين القرنين 16 – 19 م

مملكة المسبعات بين القرنين 16 – 17 م

الغزو التركي العثماني:

في شمال وشرق السودان في القرن 16م

باقي أنحاء السودان في القرن 19م

– الثورة المهدية 1881 – 1898 م

– الحكم الثنائي التركي البريطاني 1898 – 1956

– ما بعد الاسقلال.

[1] هنالك عدد من الممالك والمشيخات في عصر مملكتي دارفور وسنار لم نتعرض لهم، وكذلك لم نتعرض للإحتلال العثمانيين لبعض مناطق شمال وشرق.

نظام الحكم في المملكة الكوشية (ديموقراطية سبقت الإغريق بقرون)

إستمر إزدهار المملكة الكوشية لما يزيد عن الألفي عام بشقيها في كرمة ونبتة على التوالي (٢٥٠٠-١٦٠٠ ق.م و ٩٠٠-٤٠٠ ميلادي). ويعتبر ذلك من أطول فترات الاستمرارية الحضارية التي عرفتها الإنسانية.

ومن خلال دراسة نقوش الفترة النبتية، استطعنا أن نعلم بأن إختيار الملك كان يتم بموافقة مجالس متعددة منها مجلس أفراد الطبقة الحاكمة والنبلاء ومجلس الكهنة ومجلس قادة الجيوش الكوشية.

ويوضح نقش الملك الكوشي أسبلتا المسمى بنقش الإنتخاب (القرن السابع قبل الميلاد)، بأن إنتخاب الملك كان يخضع لمعايير ديموقراطية وان إختياره كملك تم من قبل عدد من المجالس الممثلة لشرائح متعددة من المجتمع المدني حينها.

بالإضافة لأن نظام الحكم كان لا مركزي حيث يعين الملك فيه أمراء على المقاطعات المختلفة والذين بدورهم يعينون زعماء عشائر وقبائل في تسلسل نظامي مكتمل الأركان يحفظ للمملكة إستقرارها وأمن مواطنها ورفاهيته.

صمد نظام الحكم هذا على مدى قرون طويلة وتصدى لكل محاولات التدخل الخارجي من قبل قوى إقليمية عظمى كالآشوريين، والفرس والرومان وكان ذلك من خلال توظيف تعددية قبلية وإثنية أنتجت قوة عسكرية هائلة. بالإضافة إلى النهضة التنموية الهائلة في مجال العمران والتطور العلمي في مجالات الفلك والفلسفة والعلوم الدينية والإزدهار التجاري والصناعي.

عمر الحاج

٢٨ ابريل ٢٠١٩

‏Fontes Historiae Nubiorum (FHN),1

الملك الكوشي آلارا من منظور آثاري

يعتبر آلارا المؤسس لسلالة ملوك كوش وتم لنا التعرف على اسمه لأول مرة في نص اللوحة الجنائزية للملكة تابيري، التي كانت ابنته من قبل كاساقا، وهي زوجة بعانخي.

تم ذكره مرة أخرى كشقيق لجدة تهارقا في نقش كوه وفي نقش للملك إيركي أمانوتي في النصف الثاني من القرن الخامس قبل الميلاد وأخيرا، في الثلث الأخير من القرن الرابع قبل الميلاد في نقش الملك حيرسيوتف.

كان سلف بعانخي والده كاشتا وهكذا كان آلارا في جميع الاحتمالات سلف كاشتا. كانت الخلافة في سلالة ملوك كوش بمثابة ضمان لإستمرارية السلالة الملكية، أي أن الملك يتبعه على العرش شقيقه الأصغر، والذي سيكون بعد ذلك ابن الأخ الأكبر وما إلى ذلك. تبعا لذلك كان من المفترض أيضاً أن آلارا وكاشتا أخوان. ومع ذلك، فإن هذه العلاقة لم تثبت بشكل مباشر، ولكن يمكن افتراضها إذا تعرفنا على الجدة التي لم تذكر اسمها، أخت ألارا، مع زوجة أخت كاشتا بباتما. ومع ذلك، فإن الخلافة الجانبية لم تكن حصرية في عهد الأسرة الكوشية بل تناوبت مع الخلافة الأبوية.

في اللوحة الجنائزية لـ تابيري، التي نحتت في عهد بعانخي، تمت كتابة اسم آلارا في خرطوش ملكي. في نقش كوه الرابع والسادس تم ذكره كزعيم وليس ملك لكن في نفس الوقت نفسه، تم كتابة اسمه في خرطوش ملكي ويسبقه اللقب الملكي “إبن رع”.

تشير هذه النصوص إلى فعل كرس فيه آلارا أخته، جدة تهارقا، لآمون وذلك من أجل ضمان شرعية لأحفادها. وكما يتضح من استمرارية المقبرة الملكية للكرو حيث دفن أجداد آلارا وخلفائه، لم يكن آلارا أول حاكم للسلالة. لكن نقوش تهارقا كانت تُصوره على أنه مؤسس سلالة ملوك كوش الذين أصبحوا حكاماً لكما (لمصر القديمة). يشير تكريس آلارا لأخته لعبادة آمون إلى التوجه الديني والسياسي تجاه مصر ويشير أيضا إلى إنشاء نظام جديد للخلافة. كل هذه التغييرات تمثل نهاية الدولة القبلية وظهور الملكية.

ويأتي التغيير أيضًا في المنظور المزدوج لإشارات تهارقا إلى آلارا في نصوص نقوش كوه: ينظر إليه من منظور رتبته الفعلية كزعيم لدولة قبلية وفي الوقت نفسه من منظور سليله تهارقا الذي يستمد أحقيته في الملك من آلارا، ومن ثم يمنحه خرطوش ولقب ملكي “إبن رع”.

وظهر ذكر آلارا مؤسس السلالة الكوشية مرة أخرى في النقوش الملكية في القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد من قبل الملكين إيريكي أمانوتي وحيرسيوتف.

ملحوظة: لاتوجد جدارية أو تمثال مكتشف ل آلارا.

المصدر:

‏Fontes Historiae Nubiorum (FHN),1, p. 41-42

جنجويد في مروي – قادمون كحبات الرمل – القرن الخامس قبل الميلاد

في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد وبعد وفاة الملك الكوشي تلخاماني، إستغلت قبائل بدوية تسكن الصحراء وفاة الملك وعاثوا في الأرض فساداً. روعوا المواطنين وسرقوا مواشيهم وممتلكاتهم.

عندها ذهبت الجيوش الكوشية لمخاطبة قادتها قائلين:

“لماذا نتجول كقطعان الماشية من غير راعي ومن غير مَلِكاً معنا؟ في حين يتمرد سكان الصحراء علينا…”

عندها ذهب قادة الجيوش للقصر الملكي لإبداء قلقهم على أوضاع المملكة. وبعد مشاورات وإنتخابات تم إختيار يريكي أمانوتي ملكاً لتاسيتي خلفاً لعمه تلخاماني. وبعد أسابيع من تقلده مراسم الحكم، وصلت الأخبار بأن المتمردون من سكان الصحراء في طريقهم لغزو مروي. تتقدمهم مواشيهم الكبيره والصغيرة ومعهم جميع ممتلكاتهم. قادمون بأعدادهم ضخمة جداً ولايمكن حصرها. قادمون كحبات الرمل.

عندها تضرع الملك يريكي قائلاً:

“يا إلهي، يا والدي تعال إلى. إذا فعلاً أعطيتني المُلك، فأعطني سيفك المعقوف، وضع الرهبة في أراضي الصحراء التي تمردت”

بعدها أصدر الملك، يريكي أمانوتي، مرسوم ملكي بتحريك الجيوش الكوشيه لمواجهة تمرد سكان الصحراء وصد هجومهم على العاصمة الملكية، مروي. لم يأخذ الأمر الكثير من جيوش المملكة حتى أصبحت حمامات دماء المتمردين في كل مكان. وبدأ هروبهم وإندحارهم وأطلقوا العنان لسيقانهم لتحملهم لأبعد مكان ممكن.

واصلت الجيوش الكوشية ملاحقتهم وأكثرت فيهم القتل. وتم إسترجاع كل الفتيان والنساء الذين أسرهم المتمردون وكل المواشي التي سرقوها.

إبتهج الملك يريكي أمانوتي بعد وصول أخبار هذه الإنتصارات وعمت الفرحة والسعادة كل الأرض. وعم الأمن والأمان أرجاء المملكة. وبدأ الملك رحلة التتويج الملكيه التي كانت مؤجلة بسبب هذا التمرد بزيارة الجبل المقدس، جبل البركل. وزار الملك عدد من المعابد أثناء رحلة التتويج الملكيه حيث تم تتويجه بعدد من التيجان ومن بينها تاج تاسيتي.

يعتبر تتويج الملك مهم جداً فهو من يقيم العدالة الكونية في الأرض ويمنع عدم الإستقرار والفوضى.

عمر الحاج

٢١ يونيو ٢٠١٩

المصدر:

Fontes Historiae Nubiorum (FHN),2, p. 400-420

نقش الملك الكوشي يريكي أمانوتي من معبد كوه – النصف الثاني للقرن الخامس قبل الميلاد

نظام الإنتخاب في المملكة الكوشية

بما يزيد عن الألفي عام من عهد الإمبراطورية الكوشية، كان إختيار الملك يتم بموافقة مجالس متعددة منها مجالس أفراد الطبقة الحاكمة من النبلاء والكهنة وقادة الجيوش الكوشية.

وكان نظام الحكم لا مركزي حيث يعين الملك أمراء على المقاطعات المختلفة والذين بدورهم يعينون زعماء عشائر وقبائل في تسلسل نظامي مكتمل الأركان يحفظ للمملكة إستقرارها وأمن مواطنها ورفاهيته.

ومن نقش الملك أسبلتا المسمى بنقش الإنتخاب، نعلم بأن إنتخاب الملك كان يخضع لطريقة إنتخاب ديموقراطية من عدد من المجالس الممثلة لشرائح متعددة من المجتمع المدني حينها.

صمد هذا النظام على مدى قرون طويلة وجابه وأوقف مد كل محاولات التدخل الخارجي من قبل قوى إقليمية عظمى كالفرس والرومان. بالإضافة إلى النهضة التنموية الهائلة في مجال العمران بالإضافة إلى التطور العلمي في مجالات الفلك والصناعة والفلسفة والعلوم الدينية.

عمر الحاج

٢٨ ابريل ٢٠١٩

____________________________

الصورة لمعبد ديبود الذي كان يقع على بعد ١٥ كيلومتر جنوب أسوان قبل تفكيكه وإهداؤه إلى أسبانيا من قبل الحكومه المصريه في عام ١٩٦٨م، وذلك قبل أن تغمره المياه بسبب بناء السد العالي.

يعود بناء هذا المعبد إلى الملك الكوشي أدخاليماني من القرن الثاني قبل الميلاد. وقد تولي الملك أدخاليماني الحكم بعد الملك أركماني. المعبد حالياً في مدريد، أسبانيا

التاريخ يعيد نفسه – #الشارع_يمثلني

كان أسلافنا على قناعة تامة بأنهم الحكام الشرعيين لحكم وادي النيل بإعتبار أنهم أبناء الآلهة ويستمدون قيمهم وشريعتهم من جبل البركل.

في القرن السادس قبل الميلاد وأثناء حكم الملك أسبلتا، علم بسماتك الثاني، ملك مصر القديمة، بنوايا أسبلتا لإعادة الحكم السوداني على مصر. وعندها جمع جيوش من المرتزقة اليونانيين وغيرهم لشن هجوم إستباقي على المملكة الكوشية من أجل تدميرها ووأد طموحات أسبلتا بإعادة الحكم السوداني على مصر القديمة.

وصلت جيوش مرتزقة بسماتك لكرمه (ولربما صاي) وهاجمتها. لكن هذا الهجوم أثار حنق جميع المكونات السودانية القديمة والتي بدورها هبت من كل حدب وصوب للدفاع عن مملكتهم. وتكللت قوى الجيوش السودانية بدحر مرتزقة بسماتك الذين لاذوا بالإنسحاب أمام هذة الغضبة الشرسة.

ظلت تاسيتي، هذه الأرض الطيبة، سداً منيعاً أمام النوايا الإستعمارية والغزاة طالما كانت المكونات السودانية متوحدة الإرادة، وتم إستعمارها ونهب ثرواتها عندما تفرقت عن بعضها.

“بنحلم بوطن حدادي مدادي لايعرف عنصرية ولاقبلية ولاجهوية. وطن يعيد أمجاد أسلافة”

#الشارع_يمثلني